......................................
سنبدأ
هنا حيث نهاية الجزء الأول والتى خلصنا فيها أن حسن البنا كان شابا قضى
فترة تكوينه الفكرى وسط صراع عقلى بين المتفتحين على الحضاره الأوربيه
الذين يرون المظاهر الإسلاميه من حجاب ومساجد وذكر ما هى إلا مظاهر للتخلف
والرجعيه وبين الحركه الإسلاميه التى تدعو للخلافه وترفض كل ما هو غربى حتى
لو كان مفيدا وترفض خروج المرأه وتطالب بعودة الخلافه
وذكرنا أن
حسن البنا كتب فى مذكراته أنه انضم للحركه الصوفيه مما لا يعنى انه صوفيا
بالضروره لأنه كما كتب عن أنضمامه للحصافيه وعن حضوره للحضره بعد الجمعه
كتب أيضا عن شغفه وتعلقه بالمكتبه السلفيه كما كان صديقا لكثير من
العلمانيين الوطنيين
ولكن يبدو أن البنا لم يعجبه أى من هذه الحركات
بكامل هيئتها وقد قرر وهو فى سن ال 22 من عمره أن يكون هناك اتجاه جديد
رأى من وجهة نظره انه هو الأصلح لمحاربه الإحتلال الإنجليزى والخلاص بمصر
والأمه العربيه لبر الأمان
فقرر إنشاء جماعة الإخوان المسلمين
وكنا قد تحدثنا عن الصراع الفكرى بين مدرسة المحافظين الإسلاميه ومدرسة المنفتحين العلمانيه فى مصر
ويبدو ان النصر فى هذه المعركه قد بدأ يكون للعلمانين
وتركت مصر زيها الإسلامى وبدات تصبح دوله على شكل أوربى
تركت
الفتيات الحجاب وخرجن للشوارع بلا حجاب وانتقلت بيوت الازياء العالميه الى
البيوت المصريه وأصبحت موضة العصر هى فساتين قصيره وتسريحات غربيه
فى
ذلك الوقت حاول المحافظين ان يعودوا بالمجتمع الى المسجد ففشلوا وحاولوا
أن يعودوا بالفتاه المصريه الى الملايه اللف والعبائه الطويله وغطاء الوجه
فلم يفلحوا
وبدأت مدرسة المحافظين تلملم فى أوراقها وتعلن هزيمتها
هنا قرر شابا مصريا عمره حوالى 22 عاما أن ينزل للمعركه وأن ينقض على العلمانيين من خلف الجبل ولكنه نزل للمعركه وحده منفردا
شاب أسمه حسن البنا يعمل كمدرس إبتدائى يتكلم عن فكر جديد ويخوض معركه ضاريه ضد الرذائل ومظاهر الغرب فى المجتمع
وكيف
يستطيع هذا الشاب ان يحارب هذا الفكر علما بأن هذا الفكر هو فكر الطبقه
المتوسطه فى مصر وهى ليست الطبقه الخائنه فهم وطنيون مصريون ولكن نسوا
معالم التدين وبدأ كل منهم فى التشبه بالغرب فى مظهره
المتوقع ان يكون الفشل الذريع هو نصيب الشاب حسن
ولكن ما لا يصدقه عقل وما لا تعيه بصيره هو نجاح ساحق لحسن البنا فى مهمته الاولى
كانت
مهمة حسن البنا هى مهمة مزدوجه ...فبعد تأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين
كان الجيل الأول هو جيل التكوين وكان تأسيس هذا الجيل ونجاحه يعنى نجاح حسن
البنا وانتصاره على العلمانيين
بدأ ذلك الشاب الذكى حيث لم يبدأ أعدائه فكريا
فقرر ان يزور القرى وان يجمع العتاد من العقول لمحاربة الفكر الجديد الذى يشكل خطرا كبيرا على مصر من وجهة نظره
حسن البنا زار 2000 قريه فى 15 عام فقط
معجزه على المستوى التاريخى إذا علمنا ان وسائل التنقل والمواصلات فى مصر كانت بوضع سىء جدا
كيف أستطاع حسن البنا ان يجعل جماعته واقعا ملموسا على أرض مصر وخارجها فقط منذ عمر ال 22 وحتى عمر ال 30
معجزه بكل ما تحمله الكلمه من معانى
حسن
البنا ....حقق حلم والداه وأصبح معلما فى مدينة الإسماعيليه يذهب للعمل
طوال الإسبوع ثم يعود فى نهايته الى قريه المحموديه حيث تلح عليه امه
بالزواج
فهى تحلم بان ترى أولاد إبنها النابغ حسن
وهاهو
حسن البنا يختار زوجته وهى أبنة احد الشيوخ الذين كان يتحدث معهم ويتناقش
معهم ...يقرر حسن البنا الزواج بها فيطلب منها أبوها ان تأتى لتسلم على
الشيخ حسن حتى يراها طبقا للشرع
فيطلب حسن البنا من الفتاه أن تقرأ بعض ما تحفظ من القران الكريم
وهنا كما يصف هو فى مذكراته ...ان اكبر شىء جذبه لزوجته هو صوتها الجميل وهى تقرأ القران
فتاه
شديده التدين وعلى قدر كبير من الجمال تحفظ الكثير من القران مثقفه دينيا
ولها وجهة نظر سياسيه وأجتماعيه كثيرا ما كانت تؤثر فى الشيخ حسن الذى كان
رجلا يستمع لوجهة نظر زوجته
اليوم على الأقلام ان تتوقف كثيرا وعلى أصحاب المواقف المسبقه أن يصمتوا قليلا
يا أصحاب العقول ..يا اولى الألباب ...
حسن
البنا ...يهزم وحده وبفكره جماعات منظمه وأفكار مرتبه ويستطيع ان ينشر
أفكاره وأن يكون تابع له من هم مستعدين لفدائه بروحهم ودمهم
قررنا أن نعيش يوما واحدا مع الأستاذ حسن او الشيخ حسن
ها هو أذان الفجر يقول
الله أكبر ..الله أكبر
فيستيقظ حسن البنا من نومه ..بعد ان قضى ما لا يزيد عن 5 ساعات على فراشه
توقظه زوجته ..لصلاة الفجر التى دأب على حضورها فى المسجد
يستيقظ حسن البنا ..وهو يسمع كلمة الله أكبر
ويردد فى أذنه كلمة ..الله أكبر ولله الحمد
كما تعود ان يقولها وكما كانت شعارا لجماعة الإخوان
صوره نادره لشعار الإخوان مكتوب بخط اليد يذهب حسن البنا للمسجد ثم للعمل ويعود من عمله ويتناول قليلا من الطعام كعادته
ثم يستعد للقائه مع الشباب على المقهى حيث درس اليوم يوجه فيه كلمه للشباب
أترككم
مع كلمة حسن البنا التى تجذب الأذن وتحرك العقل وتثير القلب وتدفعك للنهوض
معجبا برجل يستطيع ان يستأثر بقلبك ووجدانك فى دقائق
هكذا تكلم حسن البنا
القوى لا يظل قوى والضعيف لا يظل ضعيف
وأستطاع حسن البنا ان يحول الضعفاء لأقوياء
نصف مليون مواطن مصرى تبعوا حسن البنا وتبعوا فكره وقرروا التضحيه فى سبيله
نصف مليون هم مجموع من يناصرون الشاب حسن البنا إذا علمنا ان سكان مصر كانوا حوالى 15 مليون مصرى
يبدو ان الشاب حسن البنا يسير كسكين فى قالب من الزبد
الكل عرف حسن البنا وبدأ الشاب يشتهر ويذيع صيته فى كل مكان
حسن البنا ...هذه المره فى مشهد عجيب ربما لا يعلمه الكثيرون ولا يعرفه العديدون
يقف
أمام المرآه ..ويولى مظهر أهتماما كبيرا فحسن البنا كان يحب الظهور بمظهر
جيد أنيق رغم فقره ولكن كان دائما يهتم بثيابه وبأناقته عكس الشائع
والمعتقد عن السياسيين او الشيوخ
بعد خطبة قويه هزت الأرجاء حضرها مئات من المستمعين يعود حسن البنا الى منزله مستعدا للخروج مرة اخرى
قرر حسن البنا فتح حسب للإخوان فى البنك إذ لم يكن للإخوان حسابا فى البنك حتى الان
وإذ به يقابل الدكتور محمود عساف فيقول له هيا بنا نذهب للبنك لفتح حساب للإخوان
ويسير حسن ومحمود حتى يصلوا للبنك وكان مدير البنك وقتها هو شومان بيك
وكان يجلس مع رجل يتحدثان كان هذا الرجل هوأنور وجدى
وأنور وجدى هو ممثل مصرى كان فى ذلك الوقت هو فتى الشاشه الأول مع ليلى مراد الممثله الشهيره
كانت أفلام أنور وجدى تدور حول قصص الحب وكان كثير منها يحمل مشاهد يصفها البعض بأنها مشاهد للحب والغرام ..الخ
وبمجرد دخول حسن البنا الى مكتب مدير البنك إذ بشومان بك مدير البنك يرحب بهما بصوت عالى ويقول
حسن البنا عندنا ..يا مرحبا
مما
لفت أنتباه أنور وجدى ..فيستدير ويذهب ليسلم على حسن البنا ويجلس أنور
وجدى بجانب حسن البنا ويقول له ..مرحبا يا حسن بك ..و(بك ) هى لقب أعلى من
باشا ولم يعتد حسن البنا على ان يصفه أحد بالبشويه أو بالبكويه
ويقول أنور وجدى لحسن البنا
اعرفك بنفسى أنا أنور وجدى ..المشخصاتى كما تقولون ..انا ممثل وطبعا انا فى وجهة نظرك كافر مع أنى والله أقرأ القران وأصلى
هنا
يرد حسن البنا على أنور وجدى ويقول له ..يا اخ أنور ...انت لست كافر ونحن
لا نقول هذا وأنت تؤدى عمل عظيم وهو الفن وعملك حلاله حلال وحرامه حرام
....وانت تستطيع أن تفعل وا لا أقدر انا عليه برسالتك وبفنك
ويدعوه لزياره مقر جمعية الإخوان المسلمين ويدعوه لفكر الجماعه وللفكر الوطنى
تلك
الواقعه رواها فى كتبه الدكتور محمود العساف وعمدت انا أذهب لحوارات
ومذكرات أنور وجدى لكى اتأكد من صدقها وتأكدت فعلا أنها وقعت ولكنى لا اعرف
إذا كان فعلا انور وجدى ذهب لمقر الإخوان بعدها أو لا
ولكن المثبت
والواقع أن بعدها مباشرة ظهر فيلما لأنور وجدى أسمه ليلى بنت الفقراء يناقش
مشاكل المجتمع المصرى من فقر وجهل ويدعو لنبذ الطبقيه ومحاولة إصلاح
المجتمع
وهذه الواقعه التاريخه لها اكثر من مدلول
أولا
حسن البنا لا يرى ان الفن والتمثيل حرام ولكن يرى أن حرامه حرام وحلاله
حلال..وهذه نقطه مهمه جدا تسقط عن حسن البنا تهمة التكفير والرجعيه
....وتثبت ان حسن البنا لم يألو جهدا فى أستغلال كل الوسائل الحديثه
والعلميه والمؤثره فى الدعوه لفكره الجديد
فكما نعلم كان لحسن البنا مسرحا وكانت تعرض عليه المسرحيات فى القرى المصريه
فحسن البنا لو كان يعيش فى عصرنا هذا لكنا رأيناه مثلا يستخدم الأنترنت فى دعوته
فحسن البنا كان يجيد أستخدام وسائل الإعلام المختلفه
فهو الذى أنشأ جريده الإخوان المسلمين
صوره نادرة لمجلة حسن البنا والمجله التى بدات لأول مره تنشر فكرا تاريخيا تنويريا مكافحا لسياسه الأحتلال
وهنا ناتى لتاريخ مهم وهو عام 1936 حيث يتم تتويج فاروقا ملك على مصر
ويقف شباب الإخوان المسلمين فى شوارع مصر يهتفون إعجابا بالملك ويهتفون بحياته
عاش ملك مصر ..عاش فاروق الأول
وهنا يشير التاريخ بأصابع الأتهام لحسن البنا
هل كان حسن البنا عميلا للملك
هل كان يتسلق على الملك وهذا يعنى انه وصوليا ؟؟
أم كان حسن البنا برىء من هذا ؟؟
إذن ما هو الدليل ؟؟
اخطر فتره فى تاريخ حسن البنا منذ عام 1936 وحتى حرب فلسطين
تم توجيه تهمتين لحسن البنا
الأولى : التعاون مع الملك
الثانيه وهى التعاون مع الانجليز ضد الملك
وسأختم برأى اللواء فؤاد علام خبير الأمن ومساعد رئيس جهاز امن الدوله المصرى سابقا والذى يرى تحليلا لهذا الوضع قائلا
إن
حسن البنا كان يعزز موقف الملك ويدعو شباب الإخوان للتظاهر لصالح الملك
وكان فى نفس الوقت له علاقه جيده مع الإنجليز وهذه العلاقه جعلت القصر
الملكى يعتبر حسن البنا خائنا لمصر وخشى الملك من نفوذ حسن البنا وتعاونه
معهم ضد الإنجليز فقرر الخلاص منه
أما وجهة النظر الأخرى
فيقول الدكتور عصام العريان
إن هذا الكلام ظلم كبير ..وأن حسن البنا كانت أهدافه من ضمنها تحرير البلاد من الأستعمار فكيف سيتعاون مع الأنجليز ؟؟