بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل لسجود الشكر شروط ؟
السؤال: هل سجود الشكر تتوفر فيه شروط ، مثلاً : الحجاب ، الوضوء ... ؟ .
الجواب :
الحمد لله
نوجز الكلام على " سجود الشكر " في النقاط التالية :
1.
سجود الشكر من أعظم ما يشكر به العبد ربه جل وعلا ؛ لما فيه من الخضوع لله
بوضع أشرف الأعضاء - وهو الوجه - على الأرض ، ولما فيه من شكر الله بالقلب
، واللسان والجوارح .
2. سجود الشكر من السنن النبوية الثابتة التي هجرها كثير من الناس .
3.
الخلاف في مشروعية سجود الشكر يعدُّ خلافاً ضعيفاً ؛ لمخالفته ما ثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن كثير من أصحابه رضي الله عنهم في ذلك .
4.
سجود الشكر يُشرع كلما حصلت للمسلمين نعمة عامة ، أو اندفعت عنهم نقمة ،
أو حصلت للمسلم نعمة خاصة ، سواء تسبب في حصولها ، أو لم يتسبب ، وكلما
اندفعت عنه نقمة .
قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - :
فإن
قلتَ : نعَمُ الله على عباده لا تزال واردة عليه في كل لحظة ؟ قلت :
المراد النعَم المتجددة التي يمكن وصولها ويمكن عدم وصولها ، ولهذا فإن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد إلا عند تجدد تلك النعم مع استمرار نعم
الله سبحانه وتعالى عليه وتجددها في كل وقت .
" السيل الجرار " (1/175).
5.
الصحيح أنه لا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة ، من الطهارة ، وستر
العورة – ومنه الحجاب للمرأة - ، واستقبال القبلة ، وغيرها .
وهذا
قول كثير من السلف ، واختاره بعض المالكية ، وكثير من المحققين ، كابن جرير
الطبري ، وابن حزم ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، والشوكاني ،
والصنعاني ، ورجحه كثير من مشايخنا ، ومنهم : الشيخ عبد العزيز بن عبد الله
بن باز ، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن
بن جبرين – رحمهم الله - ، وغيرهم .
خلافاً لمن اشترط لسجود الشكر ما يشترط للنافلة ، وهو مذهب الشافعية ، وقال به أكثر الحنابلة ، وبعض الحنفية ، وبعض المالكية .
ومما استدل به أصحاب القول الأول :
أ.
أن اشتراط الطهارة ، أو غيرها من شروط الصلاة لسجود الشكر : يحتاج إلى
دليل ، وهو غير موجود ، إذ لم يأت بإيجاب هذه الأمور لهذا السجود كتاب ،
ولا سنَّة ، ولا إجماع ، ولا قياس صحيح ، ولا يجوز أن نوجب على أمة محمَّد
صلى الله عليه وسلم أحكاماً لا دليل عليها.
ب. أن ظاهر حديث أبي
بكرة – " أنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا
جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ
" رواه الترمذي ( 1578 ) وحسَّنه ، وأبو داود ( 2774 ) وابن ماجه ( 1394 )
- وغيره من الأحاديث التي روي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجود
الشكر ، تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتطهر لهذا السجود ، فخروره
صلى الله عليه وسلم مباشرةً يدل على أنه كان يسجد للشكر بمجرد وجود سببه ،
سواء كان محدثا ، أم متطهراً ، وهذا أيضا هو ظاهر فعل أصحابه رضي الله
عنهم .
ج. أنه لو كانت الطهارة - أو غيرها من شروط الصلاة - واجبة
في سجود الشكر : لبيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمَّته ؛ لحاجتهم إلى
ذلك ، ومن الممتنع أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السجود ويسنُّه
لأمته وتكون الطهارة - أو غيرها - شرطاً فيه ، ولا يسنُّها ، ولا يأمر بها
صلى الله عليه وسلم أصحابَه ، ولا يروى عنه في ذلك حرف واحد .
د. أن
سبب سجود الشكر يأتي فجأة ، وقد يكون من يريد السجود على غير طهارة ، وفي
تأخير السجود بعد وجود سببه حتى يتوضأ أو يغتسل : زوالٌ لسرِّ المعنى الذي
شُرع السجود من أجله .
هـ. أن هذه الشروط من الطهارة وغيرها إنما
تشترط للصلاة ، ومما يدل على ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلاءِ
فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَذَكَرُوا لَهُ الْوُضُوءَ فَقَالَ : ( أُرِيدُ أَنْ
أُصَلِّيَ فَأَتَوَضَّأَ ) – رواه مسلم ( 374 ) - وسجود الشكر ليس صلاة ؛
لأنه لم يرد في الشرع تسميته صلاة ، ولأنه ليس بركعة ولا ركعتين ، ولأن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن له تكبيراً ولا سلاماً ولا اصطفافاً ولا
تقدم إمام ، كما سنَّ ذلك في صلاة الجنازة وسجدتي السهو بعد السلام وسائر
الصلوات ، فلا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة .
و. قياس السجود
المجرد على سائر الأذكار التي تفعل في الصلاة وتشرع خارجها ، كقراءة القرآن
- التي هي أفضل أجزاء الصلاة وأقوالها ، وكالتسبيح والتحميد والتكبير
والتهليل ، فكما أن هذه الأمور لا تشترط لها الطهارة إذا فعلت خارج الصلاة -
مع أنها كلها من أجزاء الصلاة - : فكذلك السجود المجرد .
قال علماء اللجنة الدائمة :
الصحيح : أن سجود الشكر وسجود التلاوة لتالٍ أو مستمع : لا تشترط لهما الطهارة ؛ لأنهما ليسا في حكم الصلاة .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 7 / 263 ) .
6.
القول الراجح في صفة سجود الشكر أنه لا يجب فيه تكبير في أوله ، أو في
آخره ، أو تشهد ، أو سلام ، وهذا هو المنصوص عن الإمام الشافعي ، وهو قول
الإمام أحمد في رواية عنه ، وهو وجه في مذهب الشافعية ؛ لعدم ثبوت ذلك عن
النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم .
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه لا يشرع في هذا السجود تشهد أو سلام ، بل هو بدعة ، لا يجوز فعله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وأما
سجود التلاوة والشكر : فلم يَنقل أحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا
عن أصحابه أن فيه تسليماً ، ولا أنهم كانوا يسلمون منه ، ولهذا كان أحمد بن
حنبل ، وغيره من العلماء : لا يعرفون فيه التسليم ، وأحمد في إحدى
الروايتين عنه لا يسلِّم فيه ؛ لعدم ورود الأثر بذلك ، وفي الرواية الأخرى
يسلِّم واحدة ، أو اثنتين ، ولم يثبت ذلك بنصٍّ ، بل بالقياس ، وكذلك من
رأى فيه تسليماً من الفقهاء ليس معه نصٌّ ، بل القياس أو قول بعض التابعين .
" مجموع الفتاوى " ( 21 / 277 ) .
وقال – رحمه الله – عن سجود التلاوة والشكر - :
فإن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمِّ ذلك صلاة ، ولم يشرع لها الاصطفاف ،
وتقدم الإمام ، كما يشرع في صلاة الجنازة ، وسجدتي السهو بعد السلام ،
وسائر الصلوات ، ولا سنَّ فيها النبي صلى الله عليه وسلم سلاماً ، لم يُروَ
ذلك عنه ، لا بإسنادٍ صحيح ولا ضعيف ، بل هو بدعة ، ولا جعل لها تكبير
افتتاح .
" مجموع الفتاوى " ( 23 / 171 ) .
7.أنه لا يجب فيه
ذِكْرٌ معيَّن ، وإنَّما يشرع للساجد أن يقول في سجوده ما يناسب المقام ،
من حمد الله وشكره ودعائه واستغفاره ، ونحو ذلك .
قال الشوكاني - رحمه الله - :
فإن
قلت : لم يرِد في الأحاديث ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم في سجود الشكر
، فماذا يقول الساجد للشكر ؟ قلت : ينبغي أن يستكثر من شكر الله عز وجل ؛
لأن السجود سجود شكر .
" السيل الجرار " ( 1 / 286 ) .
8. أنه لا يسجد للشكر إذا بُشِّر بما يسره وهو يصلي .
لأن
سبب السجود ، في هذه الحالة ليس من الصلاة ، وليس له تعلق بها ، فإن سجد
متعمِّداً : بطلت صلاته ، كما لو زاد فيها سجوداً متعمداً ، أو سجد فيها
لسهو صلاة أخرى ، وكما لو صلى فيها صلاة أخرى ، وهذا القول هو مذهب
الشافعية ، وقال به أكثر الحنابلة .
وقال بعض الحنابلة : إنه يستحب سجود الشكر في هذه الحالة ، قياساً على سجود التلاوة .
ويمكن
أن يناقش دليلهم : بأن ما ذكروه من القياس غير صحيح ؛ لأنه قياس مع الفارق
، فإن سجود التلاوة سببه من أفعال الصلاة ، وهو القراءة ، أما سجود الشكر :
فسببه من خارج الصلاة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
مَن سَجَدَ سَجْدةَ الشُّكر عالماً بالحُكم ، ذاكِراً له : فإنَّ صلاتَه تبطُلُ ... .
وما
ذكرَه المؤلِّفُ صحيحٌ ؛ أي : أنَّ الصَّلاة تبطلُ بسُجودِ الشُّكرِ ؛
لأنَّه لا علاقة له بالصَّلاة ، بخلافِ سُجودِ التِّلاوة ؛ لأن سُجودَ
التِّلاوةِ لأمرٍ يتعلَّق بالصَّلاة ، وهو القِراءة .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 4 / 107 ، 108 ) .
9. سجود الشكر يُشرع للراكب على الراحلة بالإيماء ، ويومئ على قدر استطاعته .
10. أنه يجوز قضاء سجود الشكر إذا لم يتمكن من أدائه في وقته .
وإذا
بُشِّر الإنسان بما يسرُّه ، أو حصلت له نعمة ولم يسجد ، ولم يأت له عذر
في ترك السجود عند حصول سببه : فقد ذكر بعض أهل العلم أنه لا يشرع له قضاء
هذا السجود بعد ذلك ؛ وذلك لأنه غير معذور في تأخير السجود . انظر " حاشية
قليوبي " ( 1 / 209 ) .
انتهى ملخَّصاً مرتَّباً – بزيادة يسيرة -
من بحث بعنوان " سجود الشكر وأحكامه في الفقه الإسلامي " ، إعداد : الدكتور
: عبد الله بن عبد العزيز الجبرين وفقه الله .
نشره في " مجلة البحوث الإسلامية " ( 36 / 267 – 309 ) .
والله أعلم